كان المرور الى الرئاسة في الجزائر يقتضي بحصول المرشح على دعم المؤسسة العسكرية وجهاز الاستخبارات العسكرية . وقبل نهاية ولاية رابح بيطاط احتدم الصراع بين شخصيات في جبهة التحرير الوطني والمؤسسة العسكرية حول الرئيس المرتقب .
لكن من يملك مواصفات هواري بومدين !
كان التنافس قائما على أشدّه بين محمد الصالح يحياوي أحد قادة حزب جبهة التحرير الوطني وعبد العزيز بوتفليقة رئيس الديبلوماسية الجزائرية في عهد هواري بومدين , وكلا المتنافسين لم يكونا يملكان أسهما داخل المؤسسة العسكرية , كما لم يكونا من أصحاب البزّات العسكرية .
وبينما كان البعض يضرب أخماسا في أسداس بشأن الرئيس المنتظر , فوجئ الجميع بأنّ الرئيس المنتظر هو العقيد الشاذلي بن جديد مسؤول ناحية الغرب العسكرية , وكان ملايين الجزائريين يسمعون باسم الشاذلي بن جديد لأول مرّة الذي قضّىمعظم وقته داخل الثكنات العسكرية .
وقد ساهمت المؤسسة العسكرية في ترجيح الكفة لصالح الشاذلي بن جديد , كما أن قاصدي مرباح مدير جهاز الاستخبارات العسكرية دعم الشاذلي بن جديد , وكوفئ في وقت لاحق بتعيينه رئيسا للحكومة قبل أن يساهم ذوو النفوذ في المؤسسة العسكرية في الاطاحة به وتأليب الشاذلي عليه في حملة استهدفت العناصر البومدينية في مراكز الجيش والدولة .
لم يسبق للعقيد الشاذلي بن جديد أن مارس عملا سياسيّا , وأقصى ما عرف عنه عقب انتخابه رئيسا أنّه كان ضابطا في جيش التحرير الوطني , ولم يكن له دور كبير أثناء الثورة الجزائرية , وبعد الاستقلال واصل عمله في السلك العسكري الى أن تمت ترقيته الى رتبة عقيد , كما أنّ المعلومات القليلة التي كانت متوفرة عن الشاذلي بن جديد أفادت بأنّه كانت لديه ممتلكات في مدينة وهران احدى مدن الغرب الجزائري .
وقيل ساعتها أنّ أصحاب الحلّ والعقد في الجزائر اختاروا الشاذلي بن جديد شخصيا لاستغلال بساطته وتحريكه في الوجهة التي يريدونها , وقد تميزت بداية عهده بصعود نجم بعض الضبّاط الذين لا يؤمنون كثيرا بالخط البومدييني ويميلون الى المحور الغربي أكثر منه للمحور الاشتراكي الذي كان بومدين حريصا على مدّ جسور التواصل معه .
وفي الاجتماع الاستثنائ لحزب جبهة التحرير الوطني تمّ انتخاب الشاذلي بن جديد بالاجماع , فأصبح بذلك ثالث رئيس للجزائر بعد أحمد بن بلة وهواري بومدين , وبالاضافة الى أنّه أصبح رئيسا فقد كان يتولى وزارة الدفاع والأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني , وهذه المراكز العليا والمناصب الفوقية التي كان يتمتع بها الشاذلي بن جديد لا تعني أنّه كان صاحب السطوة والحل والربط , لأن أصحاب الحل والربط الحقيقيين يكرهون الأضواء ويعتبرون الخروج الى الشمس بمثابة زوال قوتهم ومصالحهم وهم لايريدونها أن تنتهيّ .
وبمجرد تعيينه رئيسا للدولة قال العارفون بالبيت الجزائري أنّه بين البومديينية والشاذلية كبين موسكو وواشنطن أثناء الحرب الباردة , وقد قرر بن جديد و أصحاب النفوذ الجدد الذين كانوا خلفه أن ينعطفوا بسفينة الجزائر بنسبة 180 درجة لتصير في مسار مناقض عما كانت عليه مسار السفينة الجزائرية في عهد هواري بومدين .
وقد كان الشاذلي ضعيفا أمام مراكز القوة و أهل الحل والربط داخل المؤسسة العسكرية , وقد أعترف أنه حاول مرارا الفرار من هذا المنصب الرئاسي الذي لم يخلق له والذي دفع اليه دفعا .
والشاذلي الذي كان بعيدا عن الجزائر العاصمة مركز الثقل في لعبة الحكم , وجد غداة انتقاله الى الجزائر العاصمة ليقود الدولة صعوبة في التأقلم مع الأجواء المشحونة التي خلفها رحيل هواري بومدين . وبحكم خلفيته البورجوازية وقربه من الغرب قررّ وبدعم من اللاعبين الجدد تدشين بداية الطلاق بين الجزائر وايديولوجيتها السابقة .
وكانت خزينة الدولة الجزائرية في بداية عهد الشاذلي بن جديد تضم حوالي ملياري دولار أمريكي والديون لم تكن بحجم 26 مليار دولار والتي تراكمت في عهد الشاذلي بن جديد
فقرر الشاذلي وبطانته صرف الكثير من هذه الأموال على مشروع من أجل حياة أفضل وذلك من خلال استيراد الكماليات والمطربين والمطربات لايهام الشباب الجزائري بأن مرحلة الايديولوجيا ولّت وجاءت حياة مغايرة فيها الكثير من نكهة الغرب , والحقيقة التي
بات يعيها كل الجزائريين أنّ هذا المشروع الذي استهلّ به الشاذلي ولايته عاد بالنفع الكبير على مجموعة من ذوي النفوذ الذين جمعوا مال قارون ودمجوا بين السلطة والمال وهم الذين أطلق عليهم الرئيس المغتال محمد بوضياف اسم المافيا في وقت لاحق وهم الذين افترقوا عن خط الثورة وفضلوا خط الثروة .
ولم يكن هناك أدنى تحسب لطارئ انخفاض أسعار النفط , حيث يشكل النفط والغاز في الجزائر أهم مصدرين للمداخيل الجزائرية بالعملة الصعبة . و غير تبديد خزينة الدولة الجزائرية , فانّ المرحلة الشاذلية شكلّت بداية القطيعة مع المنجزات التي تحققت في عهد هواري بومدين , فمشروع الثورة الزراعية تبددّ ومشروع التصنيع انتهى الى طريق مسدود والثورة الثقافية تمّ الاستعاضة عنها بثورة الراي وثقافة الفن المتعفّن, وخصوصا عندما أصبح أصحاب الثقافة الفرانكفونية في مواقع القرار الذين ألغوا مشروع التعريب بجرّة قلم.
لقد قررّ الشاذلي بن جديد أن يخوض معركة الانفتاح على الغرب , لكنّ ذلك ماكان ليتمّ بدون اعادة ترتيب البيت السياسي والقضاء على الامتداد البومدييني في المؤسسة العسكرية ودوائر القرار , وبهذا الشكل وجد رجالات هواري بومدين أنفسهم على الهامش و أحيلوا الى التقاعد قبل حلول السنّ القانونية كبلعيد عبد السلام وعبد العزيز بوتفليقة وغيرهما . ومثلما قام الشاذلي ومن يخططّ له بتقليم أظافر المحسوبين على هواري بومدين
فقد قام أيضا بالغاء مشاريع بومدين الكبيرة , فقد أرجع الأراضي المؤممة الى أصحابها , وأرخى العنان للقطاع الخاص , وبدل مشروع التصنيع قررّ الشاذلي بن جديد استيراد حاجيات الجزائر من عواصم الغرب وبهذا الشكل تسنى للسماسرة أن يدخلوا على الخط ويحققوا أحلام العمر .
وفي سابقة هي الأولى من نوعها قام الشاذلي بن جديد بزيارة باريس – عاصمة العدو الفرنسي –وخالف بذلك بروتوكولا جزائريا غير مدوّن سنّه أسلافه ويقضي باستحالة قيام رئيس الجزائر بزيارة الى فرنسا التي قال عنها بومدين يوما : بيننا وبين فرنسا جبال من الجبال وأنهار من الدماء .
وقد نقل عن الشاذلي بن جديد لدى قيامه بزيارة الى واشنطن قوله : لقد عرفت أين تكمن مصلحة الجزائر ! وهذه النقلة النوعية في المسار السياسي الجزائري والتي تمّت على يد الشاذلي بن جديد فسّرت على أن موسكو قد خسرت أخر مواقعها في الشمال الافريقي , ذلك أنّ تونس كانت محسوبة على باريس مع وجود الحبيب بورقيبة والمغرب بوجود الحسن الثاني كان لها شهرا عسل الأول مع باريس والثاني مع واشنطن ,و الجزائر التي طلقت المسار الاشتراكي والتي عاد فيها الفرانكفونيون بقوة الى دوائر الحكم بات واضحا أنها اختارت الضفة الشمالية باتجاه الغرب .
وفي وقت قياسي أختفى عن المشهد السياسي الجزائري كل الذين كان يعتمد عليهم بومدين في حكمه من قبيل : بلعيد عبد السلام ومحمد صالح يحياوي وبلعيد عبد السلام وعبد العزيز بوتفليقة وبن شريف وغيرهم .
وعلى صعيد المؤسسة العسكرية أجرى الشاذلي بن جديد سلسلة تغييرات أزاح بموجبها كل المحسوبين على التيار البومدييني وأحالهم الى التقاعد , وتقدمّ الى الواجهة ما يعرف في الجزائر بضبّاط فرنسا وهم الضباط الجزائريون الذين كانوا في صفوف الجيش الفرنسي وألتحقوا بصفوف الثورة الجزائرية في أواخر أيامها كخالد نزار وعبّاس غزيل ومحمد العماري وعبد المالك قنايزية وغيرهم , وكلهم أصبحوا جنرالات في عهد الشاذلي بن جديد . و أحد الذين كانوا محسوبين على ضباط فرنسا اللواء العربي بلخير أصبح في عهد الشاذلي غولا يخشى جانبه كثيرون , كما أصبح أمين الرئاسة الجزائرية أي الباب الموصل الى الشاذلي بن جديد .
وعندما كان الشاذلي يعمل على انهاء الوجود البومدييني , كانت الحركة الاسلامية الجزائرية تتأهبّ للخروج من الكواليس والى الخشبة , وهذا التزامن بين بداية اختفاء تيار وبداية بروز أخر جعل بعض المحللين يشبّهون هذا المشهد بأخر مماثل في مصر عندما عمل الرئيس المصري محمد أنور السادات على انهاء الوجود الناصري مقابل السماح للاخوان المسلمين بالظهور على الخشبة السياسية .
وكانت الحركة الاسلامية الجزائرية ترى في هواري بومدين رجلا يساريّا شيوعيا يتعامل مع عواصم الالحاد , وقد كان شيوخ هذه الحركة من قبيل الشيخ عبد اللطيف سلطاني والشيخ أحمد سحنون على خلاف دائم مع هواري بومدين .
وبين 1980والى 1984 كان الشاذلي يعمل على اعادة رسم خارطة سياسية جديدة للجزائر , وأستغلّ العديد من أركان النظام الجديد الواقع الجديد فأثروا ثراءا فاحشا وقد أوجدت هذه الحقبة 6000 ملياردير أغلبهم من أركان النظام والمؤسسة العسكرية .
وبعد اعادة ترميم العلاقات الجزائرية مع الغرب بات شغل الشاذلي الشاغل هو في كيفية التحول الى اللبيرالية في أقرب وقت .
وهذا الاضطراب بين الرأسمالية والاشتراكية , رأسمالية أهل النفوذ واشتراكية الرعية , ونفاذ أموال خزينة الدولة الجزائرية أدى الى بداية تراكم الديون ومستحقاتها , ومع انخفاض سعر النفط بدأت الأزمة الاقتصادية الخانقة تطرق أبواب الجزائر والذي ساهم في تعميقها ترك الانتاج والتعويل فقط على الاستهلاك وترتبّ عن ذلك أزمة تضخم وارتفاع عدد البطالين وافلاس القطاع العام .
وبدأت الحركة الاسلامية تخرج من قمقمها ,كما بدأ التيار البربري يستعد هو الأخر لرفع ألويته , وبدأت العلامات الأولى للزلزال الجزائري ترتسم في الأفق لكن الرسميين في الجزائر كانوا يفضلون أغاني الراي على تحذيرات الاستراتجيين والمحللين !!
بروز التيّار الاسلامي
في 12 تشرين الثاني –نوفمبر- 1982 دعت الحركة الاسلامية الجزائرية الى تجمع ضخم في الجامعة المركزية في الجزائر العاصمة , وضمّ التجمع ألاف المعتصمين من الاسلاميين الذين طالبوا رئيس الدولة الشاذلي بن جديد برفع الظلم عنهم وتحصين المجتمع الجزائري من افرازات الغزو الثقافي الغربي .
وكان أحد الصحافيين الغربيين قد كتب تقريرا سنة 1981 جاء فيه : … قريبا ستصبح المساجد هي الصناعة الأولى في البلاد , وهي تنبت في كل مكان .
وفي تلك الفترة أي في سنة 1982 زار جورج بوش الجزائر عندما كان مديرا للمخابرات المركزية الأمريكية , وألقى محاضرة في كلية الشرطة في منطقة الأبيار جاء فيها أنّ الخطر الذي يهدّد الجزائر يكمن في التيار الأصولي وليبيا .
وقد طالب المجتمعون في الجامعة المركزية والذين كان على رأسهم الشيوخ أحمد سحنون , عبد اللطيف سلطاني , والدكتور عباسي مدني السلطة بوقف الاعتقالات العشوائيّة التي يتعرض لها الطلبة الاسلاميون في الجامعات الجزائرية , كما طالب المجتمعون بالاسراع الفوري في تصحيح المسار السياسي وذلك بالقضاء على نفوذ المحسوبين على الثقافة الفرنسية داخل النظام وردّ الاعتبار للثقافة الاسلامية والعربيّة . وقد نددّ الاسلاميون بصرف أموال الشعب الجزائري في غير ما يعود بالنفع على الشعب الجزائري .
و أصدر سحنون وعبد اللطيف ومدني بيانا جاء فيه :
……. وتداركا لوقوع بلادنا بلاد المليون والنصف شهيد فيما ألت اليه النظم الأخرى كان لابدّ من التصدي لهذه المؤامرة بتطهير أجهزة الدولة من العناصر العميلة وازالة الفساد في البلاد قبل فوات الأوان , ونظرا لخطورة الموقف فانّ التعاون المشترك بين العناصر الطيبة في الأمة أصبح أمرا لابدّ منه و أيّ تهرب من المسؤولية من أي طرف يعّد خيانة كبرى للاسلام والوطن ,و وجود هذا التعاون لا يتوفر في اعتقادنا الاّ في ظلّ العوددة الصادقة الى الاسلام لنلحّ على الاسراع في البتّ في القضايا التاليّة :
1- وجود عناصر في مختلف أجهزة الدولة معادية لديننا متورطة في خدمة عدونا الأساسي وعملية تنفيذ مخططاته الماكرة الأمر الذي ساعد على اشاعة الفاحشة وضياع المهام والمسؤوليات على الدولة وغيرها .
2- تعيين النساء والمشبوهين في سلك القضاء والشرطة وغياب حرية القضاء وعدم المساواة لهو هدم للعدالة ولا أمن ولا استقرار بدونها .
3- تعطيل حكم الله الذي كان نتيجة حتميّة للغزو الاستعماري واحتلاله للبلاد الذي لم يعد له مبررا اليوم بعد عشرين سنة من الاستقلال فلا بدّ من اقامة العدل بين الناس بتطبيق شرع الله , قال تعالى : و أنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط .
4- حرمان المواطن من حريته وتجريده من حقه في الأمن على نفسه ودينه و ماله وعرضه وحرمانه من حريّة التعبير لهو اعتداء على أهم حقوقه ومبررات التزامه بواجباته الشرعية والأخلاقيّة .
5- عدم توجيه تنميتنا الاقتصادية وجهة اسلامية رشيدة بازالة كل المعاملات غير الشرعية وعدم تيسير السبل الشرعية لاكتساب الرزق من زراعة وتجارة وتسوية بين الناس في فرص الاستفادة من خيرات البلاد بدون تمييز .
6- تفكيك الأسرة والعمل على انحلالها وارهاقها بالمعيشة الضنكة كانت سياسة بدأتها فرنسا وبقيت تمارس حتى اليوم بالاضافة الى محاولة وضعها على غير الشريعة الاسلامية تحت شعار نظام الأسرة .
7- الاختلاط المفروض في المؤسسات التربوية والادارية انعكست نتائجه السيئة على المردود التربوي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي .
8- الرشوة والفساد الممارسين في المؤسسات التربوية من المدرسة الى الجامعة والادارة وغيرها مرض بيروقراطي لا أخلاقي خطير لا يسلم مجتمع منه الاّ اذا نفضه عنه .
9- تشويه مفهوم الثقافة وحصره في المهرجانات الماجنة اللاأخلاقية عرقل النظام التربوي , وحال دون توصله الى ابراز المواهب والنبوغ والكفاءات التي تفتقر اليها البلاد للتخلص من الوضعية الثقافية المفروضة علينا .
10- ابعاد التربية الاسلامية وتفريغ الثقافة من المضمون الاسلامي زاد في تعميق الهوّة و استمراريتها .
11- الحملة المسعورة للاعلام الأجنبي والوطني لاستهداء الدولة على الدعوة والصحوة التي تهدد مصالح الدوائر الاستعمارية في بلادنا .
12- اطلاق سراح الذين أعتقلوا دفاعا عن أنفسهم ودينهم و كرامتهم .
13- فتح كل المساجد التي أغلقت في الأحياء الجامعيّة والثانويات والتكميليات والمؤسسات العمالية .
14- عقاب كل من يتعدى على كرامة عقيدتنا وأمتنا وشرعيتها وأخلاقها و الحدود الشرعية الاسلامية .هذه الأمور هزّت مشاعر أمتنا وحركت ضميرها وما وقفتها اليوم الاّ دليل على أنها مازالت تستحق كل اكبار وتقدير واحترام ,وهذه المواقف التي عرفها شعبنا كافية للتعبير عن نضجه الاعلامي ووعيه السياسي وهذه الخصال جديرة بأن تجعله في مستوى مسؤولية أمام الله والرسول والوطن , قال تعالى : باسم الله الرحمان الرحيم . والعصر انّ الانسان لفي خسر . الاّ الذين أمنوا وعملوا الصالحات . وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
توقيع : أحمد سحنون – عبد اللطيف سلطاني – عباسي مدني .
وكان هذا البيان ايذانا بميلاد الحركة الاسلامية الجزائرية المنظمّة والمهيكلة , والتي ستصير في وقت لاحق أعقد معادلة سياسية في الجزائر .
مطالب البربر :
في بداية الثمانينيات اندلعت في منطقة تيزي وزو البربرية مواجهات عنيفة بين مجموعة من المتظاهرين وقوات الأمن الجزائرية , ولم تكن للمتظاهرين البربر مطالب سياسية , بل طالبوا بأحقيّة الثقافة الأمازيغية – البربرية – في الوجود , وأطلق على هذا الحدث اسم الربيع البربري , فلأول مرة في تاريخ الجزائر تطالب شريحة من المثقفين البربر ومن خلال العنف بردّ الاعتبار للثقافة الأمازيغية واعتبار اللغة الأمازيغية لغة رسميّة في الجزائر .
وكانت النخبة المثقفة البربرية ذات نفس عدائي للعروبة والاسلام , وتدعّي هذه النخبة أنّ الشعب الجزائري بربري له ثقافته الخاصة ولغته الخاصة أيضا والتي يجب تطويرها واحياؤها. ومن رموز الدعوة البربرية الكاتب البربري مولود معمّري الذي عينته فرنسا على رأس الأكاديمية البربرية في باريس , والدكتور سعيد سعدي الذي أصبح في وقت لاحق زعيما للتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية البربري وهو حزب يقوم على أساس عرقي ولغوي أيضا .
ويذهب الدكتور أحمد بن نعمان في كتابه : فرنسا والأطروحة البربرية في الجزائر , الى القول بأنّ فرنسا رعت الورقة البربرية للقضاء على مشروع التعريب الذي كانت ترى فيه فرنسا أهم هادم للفرانكفونية التي أقامت لها صرحا في الجزائر وبقية الدول المغاربية , وهذا التمكين للثقافة الأمازيغية ليس حبا لها بل لجعلها مجرّد مدخل الى تكريس اللغة الفرنسية .
ومنذ بروز الحركة البربرية والجامعات الجزائرية تعيش حالة صراع بين معسكري العروبة والاسلام ومعسكر الفرانكفونية والأمازيغية . وبعد اندلاع المواجهات في منطقة تيزي وزو التي تعتبر معقل الثقافة الأمازيغية , والورقة البربرية مطروحة بقوّة في دائرة الصراع السياسي والثقافي في الجزائر .
الأزمة الاقتصادية :
الثروة التي تركها هواري بومدين في خزينة الدولة صرفت جميعها في غير الوجهة التي تعود على الاقتصاد الجزائري بالنفع , وقد استفاد الكثير من من ذوي النفوذ من هذه الثروات فأسسوا شركات خاصة وتجمعات اقتصادية جبّارة كتجمع رياض الفتح الشهير الذي أثار بناؤه جدلا واسعا في صفوف الشعب الجزائري .
وفي عهد الشاذلي بن جديد برزت طبقة رأسمالية مزجت بين السلطة والمال , وأستفادت الى أقصى درجة من امتيازات النظام . و بعد أن تفاقمت الأزمة الاقتصادية أخذت السلطة الجزائرية تبحث عن مصادر للديون والقروض , وقد قام الشاذلي بن جديد في نيسان –أبريل – 1985 بأول زيارة الى الولايات المتحدة الأمريكية , فأستقبله الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بحفاوة نظرا لدور الجزائر في حلّ أزمة الرهائن الأمريكان في طهران , وبدأت العلاقات الأمريكية –الجزائرية تعرف طريقها الى التحسن . والأموال التي وصلت الى الجزائر من باريس وواشنطن وطوكيو لم تؤدّ الى انعاش الاقتصاد الجزائري , و وجدت الجزائر نفسها تقوم بايفاء فوائد الديون دون أصولها , وبدأت أزمة المديونية هي الأخرى تعصف بالجزائر الأمر الذي أدى الى افلاس المؤسسات التابعة للقطاع العام فأرتفعت معه حدّة البطالة .
وقبل 05 تشرين الأول – أكتوبر – 1988 تفاقمت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وكانت النتيجة زلزال أكتوبر الشعبي , حيث تدفقّ الجزائريون الى الشوارع منددين بالنظام وفساده , وغادرت دبابات الجيش الجزائري الثكنات ودخلت في مواجهات مع الكتل البشرية الجائعة .
وقبل حدوث هذا الانفجار الشعبي وقع جدل كبير داخل جبهة التحرير الوطني بين المحافظين والاصلاحيين , وبلغ هذا الصراع ذروته عندما طالب الرئيس الجزائري في أيلول – سبتمبر – 1988 من الشعب الجزائري بالثورة على حاكميه ويبدو أنّه كان يريد التحرر من ضغوط مراكز القوة , ولم يمض أسبوعان حتى انفجر الشعب الجزائري في أعنف مواجهات دموية عرفتها الجزائر بعد الاستقلال !
و بدل أن يلجأ الشاذلي و فريقه من خلف الستار الى معالجة الأزمة من جذورها فقد فضلّ حلا تنفيسيا , ديموقراطية تنفيسية لم تصمد هي الأخرى في وجه المتناقضات الجزائرية .
خريف الغضب الجزائري في 05 تشرين الأول – أكتوبر – 1988 كان انطلاقة نحو مرحلة جديدة سوف يقودها الشاذلي بن جديد الذي تمكنّ من تهدئة الوضع العام بعد أن وعد باصلاحات سياسية جذرية . والى تاريخ خريف الغضب الجزائري كانت الجزائر تعيش في نطاق ديكتاتورية الحزب الواحد – حزب جبهة التحرير الوطني – الذي أصبح ممرا حتميا لكل هواة الثروة والمقاولات , فبالاضافة الى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تضررّ منها الشعب الجزائري , كانت الأفواه مكممة والأفكار ملاحقة والمعتقلات حاشدة بأصحاب الرأي الأخر .
وعندما هدأت أحداث أكتوبر وعد الشاذلي بن جديد بتغيير الدستور الجزائري الذي وضعه هواري بومدين عام 1976 .
لكن قبل الاقدام على هذه الخطوة كان لابدّ على الشاذلي أن يقوم بابعاد الراديكاليين داخل حزب جبهة التحرير الوطني وحتى جهاز الاستخبارات العسكرية , ففي 29 تشرين الأول –أكتوبر – 1988 أبعد الشاذلي الرجل العتيد في حزب جبهة التحرير الوطني محمد شريف مساعديّة مسؤول الأمانة العامة في حزب جبهة التحرير الوطني , كما أقال مدير الاستخبارات العسكرية الأكحل عيّاط .
و في شباط –فبراير – 1989 صوتّ الشعب الجزائري لصالح الدستور الجزائري والذي أقرّ مبدأ التعددية السياسية والاعلاميّة . وفور المصادقة على الدستور الجديد والاقرار بمبدأ التعددية السياسية والحزبية , بدأ رموز المعارضة يعودون من الخارج كأحمد بن بلة وحسين أية أحمد , أما محمد بوضياف المقيم منذ ثلاثين سنة في منفاه الاختياري في مدينة القنيطرة في المغرب فقد شككّ في مصداقية الديموقراطية الشاذليّة ورفض العودة الى الجزائر .
أماّ قانون الأحزاب الجديد فقد نصّ على ما يلي :
- يجب على كل حزب أن يسعى للحفاظ على الاستقلال الوطني والوحدة الوطنية والنظام الجمهوري والقيم العربية والاسلامية والامتناع عن الممارسات الطائفية المخالفة للسلوك الجزائري , كما لا يسمح لأفراد الجيش الانخراط في العمل الحزبي , ويجب استخدام اللغة العربية في الممارسات الرسمية للحزب .
- أن يكون العضو المؤسس للحزب لم يسبق له سلوك مضاد لثورة التحرير الوطني ,وأن يكون مقيما بالتراب الوطني .
- لا يتجاوز حجم تبرعات الحزب في مجموعها 20 في المائة من حجم اشتراكات الأعضاء .
- وزير الداخلية له الحق في استصدار أمر قضائي بوقف نشاطات الحزب واغلاق مقاره وذلك اذا خرق الحزب المواد الدستورية وقوانين الجمهورية .
أماّ الدستور الجديد فقد نصّ على أنّ الاسلام هو دين الدولة وأنّ اللغة العربية هي اللغة الرسمية , وقد حددّ مهمة الجيش الجزائري في صون الاستقلال والدفاع عن السيادة .
كما نصّ الدستور على ضرورة الاحتكام الى صناديق الاقتراع كوسيلة محايدة لمعرفة حجم القوى السياسية في الاطار الديموقراطي .
وبعد هذه التغييرات الجذرية بدأت الأحزاب الجزائرية بالتشكّل ومنها الحركة من أجل الديموقراطية والجبهة الاسلامية للانقاذ وجبهة القوى الاشتراكية وقد تكاثرت هذه الأحزاب بشكل مدهش حتى بلغت ستين حزبا .
وفي أول انتخابات بلدية جرت في 12 حزيران –جوان –1990 فازت الجبهة الاسلامية للانقاذ , وكان ذلك ايذانا بميلاد هذه الجبهة التي ستكون الرقم الصعب في المعادلة الجزائرية ..
وبعد الانتخابات البلدية طالبت الجبهة الاسلامية للانقاذ باجراء انتخابات تشريعية وبررت ذلك بأنّه لا يمكن الحديث عن التعددية السياسية في ظل وجود برلمان أحادي حكر على حزب جبهة التحرير الوطني .
وقد وعد الشاذلي بن جديد بايصال الاصلاحات السياسية الى ذروتها , فقررّ أن تجرى انتخابات تشريعية في في 27 حزيران –جوان – 1991 , الاّ أنّ الانتخابات لم تجر في موعدها , بل عادت الجزائر أثناءها الى درجة الصفر أو ماقبله , حيث عادت الدبابات من جديد الى الشوارع الجزائرية و فرضت حالة الحصار العسكري , و أقيلت حكومة مولود حمروش , و أعتقل قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ *
• راجع كتاب المؤلف أربعة أيّام ساخنة في الجزائر , وكتاب الحركة الاسلامية المسلحة في الجزائر لنفس المؤلف .
ومرّت العاصفة بسلام , اذ عاد الشاذلي بن جديد وحددّ موعدا أخر للانتخابات التشريعية في 26 كانون الأول –ديسمبر – 1991 , وأستعدّت الجبهة الاسلامية للانقاذ وبقية الأحزاب لخوض غمار المعركة الانتخابيّة .
وأنتصرت الجبهة الاسلامية للانقاذ مجددا و حصلت على 188 مقعدا في البرلمان وحلّ في المرتبة الثانية حزب جبهة التحرير الوطني وفي المرتبة الثالثة جبهة القوى الاشتراكية .
وقد استعدّت المؤسسة العسكرية لمصادرة هذه النتائج وحركّت فيلقها السياسي قبل العسكري , وتحركت جبهات اليسار والبربر والفرانكفونيين وطالبت بالغاء الانتخابات كما طالبوا الجيش الجزائري بالتدخل , وفي الأثناء اعتقد الشارع الجزائري أن الانتخابات ستتواصل وأن الدورة الثانية ستجرى في موعدها في 16 كانون الثاني – جانفي – 1992 , وكانت المفاجأة الكبرى عندما قدمّ الرئيس الجزائري استقالته تاركا الجزائر تغرق في أتون فتنة يشيب لها قلب الحليم وعقله , وقد جاء في استقالته ما يلي :
أيّها الاخوة ,أيّها الأخوات , أيها المواطنون لا شكّ أنكم تعلمون بأنني لم أكن راغبا في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية غداة وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين , وما قبولي بالترشح الاّ نزولا عند رغبة والحاح رفقائي ويومها لم أكن أجهل بأنّها مسؤلية ثقيلة وشرف عظيم في أن واحد . ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول القيام بمهامي بكل ما يمليه علىّ ضميري وواجبي , وكانت قناعتي أنّه يتعين تمكين الشعب الجزائري من الوسيلة التي يعبّر بواسطتها عن كامل ارادته لاسيما وأنّ هذا الشعب سبق له وأن دفع ثمنا باهظا من أجل استرجاع مكانته على الساحة الدولية , لذا فبمجرّد أن تهيأت الظروف عملت على فتح المسار الديموقراطي الضروري لتكملة مكتسبات الثورة التحريرية .
وها نحن اليوم نعيش ممارسة ديموقراطية تعددية تتسم بتجاوزات كثيرة وسط محيط تطبعه
تيارات جدّ متصارعة . وهكذا فانّ الاجراءات المتخذة والمناهج المطالب باستعمالها لتسوية مشاكلنا قد بلغت اليوم حدّا لا يمكن تجاوزه دون المساس الخطير والوشيك بالانسجام الوطني والحفاظ على النظام العام والوحدة الوطنية , و أما حجم هذا الخطر الداهم فانني أعتبر في قرارة نفسي وضميري بأنّ المبادرات المتخذة ليس بامكانها ضمان السلم والوفاق بين المواطنين في الوقت الراهن.
و أمام هذه المستجدات الخطيرة فكرت طويلا في الوضع المتأزّم و الحلول الممكنة وكانت النتيجة الوحيدة التي توصلت اليها هي أنّه لا يمكنني الاستمرار في الممارسة الكليّة لمهامي دون الاخلال بالعهد المقدّس الذي عاهدت به الأمة . ووعيا مني بمسؤولياتي في هذا الظرف التاريخي الذي يجتازه وطننا فانني أعتبر أنّ الحل الوحيد للأزمة الحالية يكمن في ضرورة انسحابي من الساحة السياسية .
و لهذا أيّها الاخوة , أيتها الأخوات , أيها المواطنون , فانني ابتداء من اليوم أتخلى عن مهام رئيس الجمهورية ,و أطلب من كل واحد ومن الجميع اعتبار هذا القرار تضحية مني في سبيل المصلحة العليا للأمة .
تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا .
الشاذلي بن جديد بتاريخ : 11 جانفي – كانون الثاني - 1992 .
وفي ظرف خمس دقائق قبل المجلس الدستوري برئاسة بن حبيلس استقالة أو اقالة الشاذلي بن جديد وبثّ التلفزيون الجزائري نص الاستقالة في الثامنة ليلا .
وبعدها بساعتين وجّه رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي خطابا متلفزا للشعب الجزائري , هذا نصّه :
باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , أيّها المواطنون ,أيتها المواطنات , سمعتم جميعا نص الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية الى الأمة مساء هذا اليوم والتي أعلن فيها عن تقديم استقالته , وكما علمتم أيضا فانّ المجلس الدستوري قد عقد اجتماعه القانوني وأثبت رسميا الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية , ونتجت عن ذلك حالة لم يسبق للجزائر أن عرفت لها مثيلا , وهي حالة تقوم المؤسسات الدستورية بمعالجة جوانبها المختلفة حسب ما تنص عليه قوانين البلاد . وفيما يتعلق بالحكومة فانّ الدستور ينصّ على أنّها مطالبة بمواصلة القيام بالمهام العادية المنوطة بها في جميع الميادين المتصلة بتسيير شؤون البلاد . وعليّ في هذا الاطار أن أؤكد أيها المواطنون , أيتها المواطنات أنّ الحكومة تضع في مقدمة أولوياتها الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين , لذا فاني مباشرة بعد أن وصلني خبر استقالة رئيس الجمهورية طلبت من الجيش الوطني الشعبي أن يتخذّ بصورة وقائية الاجراءات اللازمة من أجل المساهمة في حماية الأمن العمومي وأمن المواطنين وذلك عملا بالقانون 91\488 .
أيها المواطنون , أيتها المواطنات , تأتي استقالة رئيس الجمهورية في الظروف الحرجة التي تجتازها البلاد واني أتوجه اليكم جميعا طالبا من كل واحد منكم أن يتحلى بروح المسؤولية, وأن يحافظ على الهدوء وأن يؤدي مهامه العادية في الاطار والمنصب حيث يوجد . ولن يفوتني وأنا أتوجه الى الضباط وضباط الصف والجنود في جيشنا الوطني الشعبي أن أؤكد ما سبق لي أن قلته في تصريح يوم 05 حزيران – جوان – 1991 وفي تصريحات أخرى أنّ هذا الجيش قد أثبت بالفعل والممارسة أنّه سليل جيش التحرير الوطني وأنّه يمثل مكسبا عظيما لهذه الأمة , فهو يمناها العتيدة والأمينة في الحفاظ على سيادتها وعلى وحدتها وعلى ثوابتها بما في ذلك دينها الحنيف وعلى حماية أهلها وسلامتهم .
وكذلك أوجّه تحية خاصة ونداءا حثيثا الى رجال الأمن وأسرة الوظيف العمومي والى جميع من يعمل في القطاعات الحيوية في البلاد مناشدا ايّاهم أن يرفعوا مجهوداتهم الى مستوى التحدي الذي لابدّ من مواجهته صفا واحدا وبمنتهى الجدية والصرامة .
وعلينا جميعا أن نتزوّد بما يتطلبه هذا الظرف من يقظة وتبصر ووعي وروح وطنية وتضامن وتسامح .
وفقنا الله جميعا الى ما فيه خير الشعب والوطن .
و ما أراد أن يقوله سيد أحمد غزالي بين السطور أن الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الاسلامية للانقاذ قد صارت في خبر كان , حيث أضطر صناع القرار الحقيقيون أن يضحوا بالشاذلي بن جديد ليهدموا البناء من أساسه , ولكي يعيدوا فيما بعد البناء بطريقة لا تؤدي الى تهديد مصالحهم !
أما المواطنون الذين تحدث اليهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فقد فهموا أن هناك عملية انقلاب عسكرية مغلفّة وقعت في الجزائر و أطاحت بالشاذلي بن جديد الذي رسم له صناع القرار الفعليون خط البداية والنهاية على السواء .
وبعد الاطاحة بالشاذلي وباللعبة الانتخابية وبالديموقراطية اندلعت الفتنة الكبرى في الجزائر والتي أودت بحياة 150,000جزائري وخسائر قدرت بملايير الدولارات .
وقد تبعت اقالة الشاذلي بن جديد سلسلة من الاجراءات كفرض حالة الطوارئ وحل الجبهة الاسلامية للانقاذ وزجّ الألاف من أنصارها في المعتقلات .
واذا كانت المؤسسة العسكرية قد استعاضت عن شغور رئاسة الجمهورية وبقية المؤسسات بمجلس رئاسي خماسي فانها لم تتمكن من اطفاء البركان الذي اسيقظ قاذفا بلهبه في كل اتجاه .
وقد عينّ على رأس المجلس الأعلى للدولة محمد بوضياف و هو أحد مفجرّي الثورة الجزائرية الذي كان غائبا عن الجزائر لمدّة ثلاثين سنة فرارا من حكم اعدام صدر في حقّه من قبل حكومة أحمد بن بلة وكانت تهمته في سنة 1962 أنّه خطير على الأمن القومي الوطني , وأقنعه العسكر بضرورة العودة الى الجزائر باعتبار أنّ الجزائر التي أحبّها وناضل من أجلها على وشك الغرق , وكان أصحاب اللعبة يريدون في الواقع درء الزلزال بشخصية محورية في ثورة التحرير الجزائرية , وأعتقد مستقدموه أن شرعية بوضياف التارخية سوف تلغي الشرعية الانتخابية و الشرعية الجديدة .
لكنّ المنفي العائد بعد ثلاثين سنة الى وطنه تمت تصفيته وفي الظهر بعد 166 يوما من حكمه , وكان ذلك ايذانا أيضا بأن اللعبة القذرة في الجزائر أصبحت خارج السيطرة